
ليه الناس بتصدق الغريب أكتر من القريب؟ اكتشف السر
ليه الناس بتصدق الغريب أكتر من القريب؟ اكتشف السر
في كل
بيت، وفي كل مجتمع، وفي كل علاقة إنسانية، بنقابل موقف غريب ومحير: شخص يرفض يسمع
كلام أقرب الناس ليه، لكنه في لحظة واحدة يصدق رأي غريب مايعرفوش غير من يوم أو
اتنين. ممكن أب أو أم يفضلوا ينصحوا ابنهم شهور طويلة وما يقتنعش، لكن لما صديق
عابر أو دكتور بعيد يقول نفس النصيحة، فجأة يتحول الكلام لحقيقة لا جدال فيها.
ممكن زوجة تنصح زوجها بطريقة أو بأخرى، فيتجاهلها، لكن لما يسمع نفس الكلام من
زميل في العمل أو حتى من فيديو على الإنترنت، يبتسم ويقول: "معاه حق".
الموقف ده
بيخلينا نسأل نفسنا: ليه الغريب بيمتلك قوة إقناع
أحيانًا أكبر من القريب؟ وهل السبب راجع لنظرتنا للقريب اللي بنشوفه يوميًا
لحد ما نفقد الانبهار بكلامه؟ ولا السبب فينا إحنا كبشر، اللي بنميل نصدق المجهول
ونرتاح لفكرة "الحياد" عند الغريب؟
الموضوع
مش مجرد عادة اجتماعية عابرة، لكنه مرتبط بجذور نفسية عميقة، وسياقات ثقافية
ممتدة، وأبعاد فلسفية ووجودية بتكشف طبيعة علاقتنا بالآخر وبأنفسنا.
لما نفكر
في الظاهرة، هنكتشف إنها بتتكرر في أشكال متعددة: من قرارات صغيرة زي اختيار لبس
أو أكلة، لقرارات مصيرية زي شغل أو زواج أو سفر. وده اللي بيخلي دراسة "سر
تصديق الغريب أكتر من القريب" مش رفاهية فكرية، بل موضوع له أثر مباشر على
حياتنا اليومية، وعلى علاقاتنا الأسرية والاجتماعية.
في الجزء
الأول من المقال هنغوص في الجذور النفسية للظاهرة، ونفهم ليه عقل الإنسان
بيشتغل بالطريقة دي، وليه في بعض اللحظات بيكون صوت الغريب مسموع أكتر من صوت أقرب
الناس ليه.
الجذور النفسية للظاهرة
1. الانحياز
المعرفي: الغريب كرمز للحياد
علم النفس
بيكشف إن عقل الإنسان مش دايمًا موضوعي. إحنا كبشر عندنا "انحيازات
معرفية" بتتحكم في قراراتنا من غير ما نشعر. واحدة من أبرز الانحيازات دي هي
فكرة إن الغريب "محايد"، بينما القريب "منحاز".
على سبيل
المثال: لو أخوك قالك إنك لازم تركز في شغلك وتسيب التسويف، ممكن ترد بعناد:
"إنت مش فاهم ضغوط حياتي". لكن لو شخص غريب - حتى لو مجرد مدرب في ورشة
عمل - قال نفس الجملة، فجأة دماغك يفسرها على إنها نصيحة خالية من المصلحة.
السبب هنا
إننا بنتخيل إن الغريب ما عندوش "أجندة خفية"، بعكس القريب اللي ممكن
نشك في نواياه (غيرة، سيطرة، فرض رأي).
2. عقدة
الألفة: لما يفقد القريب بريقه
في علم
النفس، في حاجة اسمها تأثير الألفة. الغريب دايمًا بيحمل عنصر المفاجأة، لأننا مش متعودين
على صوته أو طريقته. أما القريب، فوجوده جزء من يومنا العادي، وكلامه بيتكرر لدرجة
إننا نفقد الانتباه ليه.
زي ما
بيقولوا: "لا كرامة لنبي في وطنه". الجملة دي بتعكس الحقيقة دي: كل ما
الشخص قريب مننا، كل ما قيمته بتقل في نظرنا من غير وعي.
التكرار
بيخلي الكلام باهت، والغريب بيمتلك أفضلية "الندرة".
3. البحث عن
سلطة خارجية
الإنسان
بطبعه بيدور على "سلطة معرفية" يعتمد عليها. لما يكون في قرار مصيري،
حتى لو القريب عنده خبرة، دماغنا بيميل يثق في حد "خارجي" لأنه بيحسنا
أكتر بالاطمئنان.
التجربة
الشهيرة لعالم النفس "ستانلي ميلجرام" في الستينات بتأكد ده: الناس كانت
بتطيع أوامر شخص غريب لابس بالطو أبيض (رمز السلطة) حتى لو الأوامر مؤذية، بس
لمجرد إنهم شايفينه خبير.
وبالتالي،
الغريب بيتحول تلقائيًا في ذهننا لرمز "الخبير"، حتى لو هو مش كده فعلًا.
4. الرغبة في
الاعتراف والقبول
أحيانًا
المشكلة مش في القريب نفسه، لكن فينا إحنا. القريب شايف عيوبنا وتاريخنا وضعفنا.
لكن الغريب بيشوفنا بشكل جديد، من غير خلفيات. وده بيخلينا نستقبل كلامه كأنه
"شهادة ميلاد جديدة" لشخصيتنا.
لما
الغريب يقول كلمة مدح أو نصيحة، بنحس إنها صادقة أكتر لأنها جاية من حد مايعرفناش
كويس. أما القريب، فحتى لو مدحنا، بنقول في نفسنا: "ده بيقول كده عشان بيحبني"
أو "عشان عايز يرضيني".
5. التمرد
على القيود العاطفية
العلاقات
القريبة دايمًا مليانة عاطفة وتاريخ مشترك، وده ساعات بيعمل "ضغط نفسي".
النصيحة من قريب ممكن تحمل ضمنيًا معنى السيطرة: "أنا عارف مصلحتك أكتر منك".
الغريب بيدينا
مساحة "حرية"، لأنه بيتكلم من غير تاريخ طويل من الأوامر والنصائح.
وبالتالي، تقبلنا كلامه بيكون أسهل لأننا مانحسش إننا بنفقد استقلاليتنا.
6. وهم
الجديد والمختلف
الدماغ
البشري عنده ميل طبيعي للانجذاب لكل ما هو جديد. وده بيخلي كلام الغريب يبدو أكثر
"إثارة للاهتمام".
لو ابنك
مثلًا يسمع نفس النصيحة منك طول السنة، لكن يقرأها مرة على "بوست
فيسبوك"، هيتحمس وينفذها فورًا، مش عشان المعلومة جديدة، لكن لأنها جاية من
مصدر جديد.
7. الخوف من
النقد
القريب
عنده قدرة إنه يراقبنا يوميًا ويحاسبنا. لو نفذنا نصيحته وما نجحتش، ممكن يلومنا
أو يعايرنا. لكن الغريب بيختفي بعد النصيحة. وده بيدينا شعور بالأمان: "لو
غلطت، مش هيكون في حد يذكرني كل يوم بخطئي".
إذن،
الجذور النفسية للظاهرة معقدة جدًا: بين انحيازات العقل، وتأثير الألفة، والرغبة
في الاعتراف، والتمرد على القيود.
الجذور الاجتماعية والثقافية للظاهرة
الظاهرة
دي مش مجرد مسألة نفسية مرتبطة بعقل الفرد فقط، لكنها كمان انعكاس عميق لبنية المجتمع
اللي عايشين فيه. لأن المجتمع بيلعب دور رئيسي في تحديد إزاي الإنسان ينظر للقريب
والغريب، ويقيم كلامهم.
1. القيم
المجتمعية: حين يتضاءل صوت القريب
في
مجتمعات كتير، خصوصًا في المجتمعات العربية، القريب أحيانًا ما بياخدش مكانته
الكاملة كصوت موثوق. مثلًا: لو الشاب نصح والده بحاجة تتعلق بالتكنولوجيا، ممكن
الأب يقول: "إيه اللي هتعرفه إنت أكتر مني؟".
لكن لو
نفس النصيحة جات من مهندس أو خبير بعيد، فجأة تتحول لكلام له قيمة.
المجتمع
بيزرع فينا فكرة إن "الغريب خبير"، بينما "القريب مجرد فرد
عادي". وده بيخلي الواحد يحط جدار نفسي يمنع تقبل النصائح من أقرب الناس حتى
لو كانت صحيحة.
2. العادات
والتقاليد: الانبهار بما يأتي من الخارج
في
ثقافاتنا، عندنا ميل قديم للاعتقاد إن "الغريب جاي بحاجة جديدة". في
الماضي كان الغريب هو التاجر اللي جاي من بلد بعيد ومعاه سلعة غريبة. النهارده
الغريب ممكن يكون "يوتيوبر أجنبي" أو "مستشار غير معروف"
بنعتبر كلامه أغلى وأصدق من القريب.
حتى في
اللغة اليومية، عندنا أمثال زي: "الغريب سلطانه شديد"، أو "الغريب
عامل زي القاضي". الأمثال دي تعكس عمق الظاهرة في
وجدان المجتمع.
3. الإعلام
وصناعة صورة "الخبير الخارجي"
وسائل
الإعلام لعبت دور كبير في تضخيم الفكرة. الإعلان التجاري مثلًا دايمًا يعرض
"خبير" لابس بالطو أبيض يروج لدواء، حتى لو مجرد ممثل. المشاهد بيصدق
لأنه شايف شخصية "غريبة" بتتكلم من موقع قوة.
ده نفس
اللي بيحصل لما نستقبل معلومة من برنامج أجنبي أو من مصدر بعيد: تلقائيًا بنصدق.
4. الطبقات
الاجتماعية والتفاوت الاقتصادي
الطبقية
كمان ليها دور. في بعض المجتمعات، لو النصيحة جاية من شخص "أقل" في المكانة
الاجتماعية، بتُرفض، حتى لو هو قريب. بينما لو نفس النصيحة جات من شخص غريب لكنه
غني أو صاحب منصب، تُقبل بسهولة.
اللي
بيحصل هنا إن المجتمع بيربط قيمة الكلمة بمكانة قائلها، مش بمحتواها.
5. الهروب من
ضغوط العلاقات القريبة
المجتمع
كمان بيضغط على الفرد من خلال العلاقات الأسرية الكثيفة. القريب بيكون حاضر في كل
تفاصيل حياتنا، وده ساعات بيخلي كلامه يتفسر على إنه "تدخل" مش نصيحة.
بينما كلام الغريب بيُنظر له كـ"إضافة" أو "رأي حر"، لأنه مش
مرتبط بسلطة اجتماعية مباشرة علينا.
المحور الثالث: البعد الفلسفي والوجودي للظاهرة
لما ندخل
للعمق، نلاقي إن الموضوع مش مجرد علم نفس أو اجتماع، لكن له جذور فلسفية بتتعلق
بأسئلة: ما هي الحقيقة؟ ولماذا نبحث عنها عند الآخر؟
1. إشكالية
الحقيقة والوهم
الفلاسفة
من قديم الزمن ناقشوا فكرة: هل الحقيقة في ذاتها موجودة؟ أم هي مجرد
"تصورات" مرتبطة بالزمن والمكان والإنسان اللي بيشوفها؟
تصديق
الغريب ممكن يكون انعكاس لرغبتنا في "وهم جديد". القريب بيمثل الحقيقة
القديمة المألوفة، بينما الغريب بيمنحنا وهمًا مختلفًا بنجري وراءه عشان نكسر
روتيننا.
2. الغريب
كرمز للتحرر في الفلسفة
في فلسفة
سارتر وكامو وغيرهم من فلاسفة الوجودية، "الغريب" بيظهر كرمز للحرية،
لأنه ما يعرفش عنك تفاصيلك، وما يحطش قيود على هويتك.
الغريب
بيديك فرصة تعيد تعريف نفسك بعيدًا عن توقعات العائلة والمجتمع. وده بيخلي كلامه
ليك يبدو "أكثر صدقًا"، مش لأنه أصدق فعلًا، لكن لأنه بيحررك من الماضي.
3. الاغتراب
الإنساني: الغريب بيننا ونحن غرباء
كارل
ماركس تكلم عن "الاغتراب" كظاهرة في المجتمع الحديث، حيث الإنسان رغم
إنه محاط بالآخرين، بيحس إنه وحيد.
تصديق
الغريب ممكن يكون انعكاس للاغتراب ده: إحنا نعيش وسط القريب لكن نفتقد لحوار حقيقي
معاهم، فنلجأ للغريب بحثًا عن صوت جديد يفهمنا.
4. الغريب
كمرآة للنفس
الفيلسوف
الألماني هايدغر بيقول إن الآخر مش مجرد "شخص"، لكنه "مرآة"
نكتشف بيها ذواتنا.
لما
الغريب يتكلم معانا، أحيانًا كلامه بيصدمنا لأنه بيكشف حاجات جوانا إحنا مش
شايفينها. القريب معتاد علينا وما يشوفش الصورة الكبيرة، لكن الغريب بيشوفنا بعيون
مختلفة.
5. بين الوهم
والحقيقة: من نصدق؟
البعد
الفلسفي بيحطنا قدام سؤال عميق: هل الغريب فعلًا أكثر صدقًا؟ أم إننا بس بنهرب من
الحقيقة اللي مش عايزين نواجهها عند القريب؟
يمكن
تصديق الغريب مجرد وسيلة للهروب من مواجهة مشاعرنا وتاريخنا مع القريب. لكن في نفس
الوقت، الغريب ممكن يفتح أفق جديد للحقيقة.
إذن،
الظاهرة دي مش بس نفسية أو اجتماعية، لكنها كمان متجذرة في عمق الفكر الإنساني: من
سؤال الحقيقة، لفكرة الحرية، لاغتراب الإنسان عن محيطه.
أمثلة واقعية ودراسات
علشان
نفهم الظاهرة بشكل عملي، لازم نشوفها في الواقع وندرس إزاي تم رصدها في علم النفس
والاجتماع، وكمان نستعرض بعض المواقف الحياتية اللي كلنا مرينا بيها.
1. الدراسات
العلمية: الطاعة للغريب
واحدة من
أهم الدراسات اللي بتوضح الظاهرة دي هي تجربة "ستانلي ميلجرام" سنة
1961. التجربة كانت بسيطة في ظاهرها: متطوعين كانوا بيُطلب منهم يوجّهوا
"صدمات كهربائية" لشخص (كان ممثلًا في الحقيقة) تحت إشراف رجل غريب لابس
بالطو أبيض. رغم إن المتطوعين كانوا عارفين إنهم ممكن يؤذوا الضحية، أغلبهم
استمروا في تنفيذ الأوامر لمجرد إن "الغريب" – اللي اعتبروه خبير – قال
لهم يكملوا.
النتيجة
صادمة: الإنسان مستعد يطيع الغريب حتى على حساب مبادئه، طالما شايفه مصدر سلطة أو
معرفة. وده بيأكد إن الميل لتصديق الغريب مش مجرد صدفة، لكنه جزء من تكويننا
النفسي والاجتماعي.
2. المريض
والدكتور: لما الغريب يصبح مرجعًا
كلنا
تقريبًا نعرف قصة شخص مريض، أسرته كلها نصحته يزور دكتور أو يلتزم بعلاج معين،
لكنه ما اقتنعش. بمجرد ما طبيب غريب (حتى لو قال نفس النصائح بالحرف) أكد على
العلاج، المريض أطاع فورًا.
الفرق مش
في النصيحة نفسها، لكن في "هوية القائل". الغريب هنا أخذ شكل
"الخبير المحايد" اللي كلامه فوق الشبهات.
3. الأسرة
والاختيارات المصيرية
شابة
عربية مثلًا، أهلها يحذروها من شخص غير مناسب للزواج. هي تعتبر نصائحهم تحكم
وسيطرة. لكن لو صديقة بعيدة أو زميلة في الجامعة حذرتها بنفس الطريقة، فجأة كلامهم
يلقى قبول. السبب مش إن الغريب أذكى، لكن لأنه بيتكلم من غير "ثقل العلاقة
الأسرية" اللي ممكن يتفسر كفرض وصاية.
4. قصص من
التراث والدين
حتى في
النصوص الدينية نلاقي نفس الظاهرة: "لا كرامة لنبي في وطنه". الأنبياء
كانوا يواجهوا رفض من أقوامهم اللي يعرفوهم من الطفولة، بينما الغريب كان يستقبل
رسالتهم بقبول أكتر.
القريب
يشوف في النبي "ابن فلان اللي كان بيجري في الشوارع زمان"، فيقلل من
شأنه. لكن الغريب يشوف فيه رسولًا يحمل الحق.
5. الحياة
اليومية العادية
- ابن يسمع نصيحة عن أهمية القراءة من والده،
فيطنش. لكن لما يشوف فيديو لشخص مايعرفوش بيقول نفس الفكرة، يتحمس.
- موظف يتجاهل نصيحة مديره المباشر، لكنه يلتزم
بكلام مدرب خارجي في ورشة تدريب.
- شاب يرفض كلام صديقه المقرب، لكنه يصدق نفس
الكلام من شخص جديد اتعرف عليه على الإنترنت.
كل
الأمثلة دي بتؤكد إن الظاهرة مش مرتبطة بحالة معينة، لكنها متكررة في تفاصيل
حياتنا اليومية.
المحور الخامس: الآثار السلبية والإيجابية
الظاهرة
دي ليها وجهين: جانب سلبي ممكن يهدم العلاقات الإنسانية، وجانب إيجابي ممكن يفتح
للإنسان أفق جديد.
أولًا: الآثار السلبية
- ضعف الروابط الأسرية:
لما نستمر في تصديق الغريب أكتر من القريب، ده يولد فجوة في العلاقات الأسرية. الأهل ممكن يحسوا إن صوتهم ملهوش قيمة، وده يخلق جفاء وعزلة داخل البيت. - فقدان الثقة في المقربين:
الفرد ممكن يتعود يقلل من كلام القريب، لدرجة إنه يشك في أي نصيحة جاية من محيطه. وده مع الوقت يضعف قدرة العائلة على حماية أفرادها أو توجيههم. - الاستغلال من الغرباء:
الخطر الأكبر إن الغريب مش دايمًا صادق أو محايد. فيه ناس تستغل ثقة الآخرين لمصالح شخصية، سواء في التجارة أو العلاقات أو حتى السياسة.
تصديق الغريب بشكل مطلق ممكن يؤدي إلى تضليل أو استغلال. - تفكك المجتمع:
لما كل فرد يتجاهل صوته الداخلي وأصوات المقربين، ويبحث فقط عن "الغريب"، ده يضعف التضامن الاجتماعي ويخلق حالة من الانعزال.
ثانيًا: الآثار الإيجابية
- توسيع المدارك:
الاستماع للغريب أحيانًا بيساعدنا نشوف الحياة من زاوية مختلفة. القريب ممكن يكون متأثر بنفس البيئة والتقاليد، لكن الغريب يقدم منظور جديد يكسر القوالب الجاهزة. - كسر الدائرة المغلقة:
في بعض الأحيان، القريب يكون جزء من "دائرة ضيقة" بتكرر نفس الأفكار. الغريب ممكن يكون الشرارة اللي يفتح عقلنا على احتمالات جديدة. - التعلم من الخبرة المتنوعة:
الغريب جاي من خلفية وتجربة مختلفة، وبالتالي عنده فرصة يقدم معرفة مش موجودة عند القريب. تصديقه أحيانًا بيكون سبب في تطوير حياتنا. - تحفيز القريب نفسه:
لما نلاحظ إن الغريب بقى مصدر ثقة، القريب ممكن يسعى يغير أسلوبه في تقديم النصيحة. ده يخلق نوع من "التطوير في التواصل" داخل الأسرة والمجتمع.
تصديق
الغريب على حساب القريب سلاح ذو حدين: ممكن يكون وسيلة لبناء وعي أوسع، لكنه في
نفس الوقت ممكن يهدم الروابط الإنسانية لو ما اتعاملناش معاه بوعي واتزان.
كيف نوازن بين القريب والغريب؟
بعد ما
استعرضنا الأبعاد النفسية والاجتماعية والفلسفية للظاهرة، وكمان شوفنا أمثلة
واقعية وآثارها السلبية والإيجابية، ييجي السؤال الأهم: إزاي نوازن بين الاستماع لصوت
القريب وصوت الغريب؟
لأن
الحقيقة إن أي طرف فيهم مش معصوم من الخطأ، ولا مفروض يُرفض بشكل مطلق. المطلوب هو
"فن الموازنة" اللي يخلي حياتنا أكتر وعيًا ومرونة.
1. الوعي
الذاتي: مواجهة الانبهار بالآخر
أول خطوة
هي إن الإنسان يعترف بانحيازاته. لما نسمع كلام غريب ونحس إنه منطقي جدًا، لازم
نسأل نفسنا:
- هل الفكرة فعلًا جديدة؟
- ولا هي نفس النصيحة اللي قالها القريب من قبل
لكن أنا طنشتها؟
الوعي
الذاتي بيساعدنا نكتشف إننا أحيانًا مش بندور على الحقيقة، لكن بندور على
"تغليف جديد" للحقيقة القديمة.
2. اختبار
المعلومة مش هوية القائل
لازم
نعلّم نفسنا قاعدة ذهبية: "قيم المعلومة على أساسها، مش على
أساس مين قالها".
لو
النصيحة من قريب أو غريب، الأفضل نسأل: هل عندها دليل منطقي؟ هل التجربة بتدعمها؟
هل متوافقة مع قيمنا وأهدافنا؟
لما نعمل
كده، نقلل من تأثير الانبهار بالشخصية ونركز أكتر على جوهر الفكرة.
3. تعزيز
الثقة بالأقارب
أحيانًا
القريب بيتعب من تكرار النصيحة وعدم الإصغاء. عشان كده مهم نعزز قيمة كلامهم
بإظهار الامتنان. حتى لو مش مقتنع 100%، كلمة بسيطة زي "أنا مقدر كلامك"
أو "هفكر في نصيحتك" بتخلق جسر ثقة.
التقدير
بيخلي القريب يشعر إنه مسموع، وده يقلل من الفجوة اللي ممكن تخلقها ثقة زائدة في
الغريب.
4. خلق مساحة
للحوار المفتوح
كتير من
المشاكل بترجع لغياب الحوار. القريب لما ينصح، ساعات يستخدم أسلوب الأمر أو
التوجيه المباشر، وده يخلق رفض نفسي. الحل هو خلق مساحة للحوار المتبادل بدل
النصيحة الفوقية.
لما
الحوار يبقى قائم على احترام متبادل، نكتشف إن القريب ممكن يقدم نفس العمق اللي
بندور عليه عند الغريب.
5. الانفتاح
على مصادر متعددة
الإنسان
الحكيم مش بيكتفي بمصدر واحد. الموازنة الصحيحة هي الاستماع للغريب والقريب معًا،
ومقارنة الآراء المختلفة.
القريب
عنده ميزة إنه يعرف تاريخنا واحتياجاتنا الشخصية. الغريب عنده ميزة إنه بيشوفنا من
منظور مختلف. لما نجمع بين الاثنين، نوصل لرؤية أوضح.
6. إعادة
تعريف العلاقة مع الغريب
المطلوب
مش إننا نرفض الغريب، بالعكس: الاستماع ليه ممكن يكون سبب في تطويرنا. لكن لازم
ندرك إنه مش دائمًا محايد، وإنه ممكن يكون عنده مصلحة. وعي النقطة دي بيحمينا من
الوقوع في الاستغلال أو الوهم.
7. التربية
على ثقافة النقد البنّاء
لو عودنا
الأجيال الجديدة على إنهم يسألوا "ليه؟" و"كيف؟" بدل ما
يصدقوا أي كلام لمجرد مصدره، هنخلق جيل قادر يوازن بين القريب والغريب بوعي.
التربية دي مهمة في البيت والمدرسة والمجتمع.
في
النهاية، السؤال "ليه الناس بتصدق الغريب أكتر من القريب؟" يكشف عن لغز
إنساني عميق.
الغريب
بيحمل عنصر المفاجأة، والحياد الظاهري، والحرية من قيود العلاقة. القريب بيحمل
التاريخ والعاطفة والألفة اللي أحيانًا تبهت قيمتها. بين الاثنين، يظل الإنسان يتأرجح
باحثًا عن الحقيقة، أو ربما عن وهم جديد يريحه من ثقل المألوف.
لكن الحل
مش في الانحياز لطرف ورفض الآخر. الحل في الموازنة والوعي: أن نسمع
للجميع، لكن نُخضع الكلام للتفكير والنقد، ونمنح القريب حقه من التقدير، ونمنح
الغريب حقه من الاستماع دون انبهار أعمى.
الحقيقة
مش مرتبطة بالشخص اللي قالها، بل بصلابة المنطق وصحة الدليل. ولو تعلمنا نقيم
الأفكار بمعزل عن الأشخاص، هنقدر نعيد بناء ثقة حقيقية مع القريب، ونستفيد من
الغريب دون أن نُستغل أو نضل.
ربما يكون
السر مش في "الغريب" ولا "القريب"، لكن فينا إحنا: في استعدادنا
نسمع أو نغلق آذاننا. ومن هنا يظل السؤال مفتوحًا: هل نبحث عن صوت الحقيقة، أم
مجرد صدى جديد يرضي شغفنا بالاختلاف؟
اضف تعليقك هنا عزيزي